السنة بصريح القرآن هي الأصل الثاني في تشريع الأحكام ، وقد اعتنى الصحابة
رضي الله عنهم والتابعون ومن بعدهم من أئمة الإسلام باستقصائها وضبطها ونفي
الزيف عنها وتحقيق أسانيدها والتثبت من حال رواتها في الحفظ والضبط
والعدالة ، ثم تدوين علومها رواية ودراية ، فهناك الصحاح والمسانيد ، التي
بلغ الضبط والتثبت فيها غايته ، وهناك علم الحديث دراية الذي تعرف به شروط
الرواية ، وشروط الصحة ، وكيفيات التحمل والأداء ، وأنواع الحديث المقبولة
والمردودة ، وهناك علم الجرح والتعديل الذي يعرف به حال كل راوٍ من رواة
الحديث قبولاً وردًا ، وبجانب ذلك ما أُلِّف من الكتب في الأحاديث الموضوعة
لنفي نسبتها إلى السنن الثابتة ، وما سلكه أئمة الفقه حيال الأحاديث التي
اعتمدوا عليها في استنباط الأحكام ، واتخذوها مجال أنظارهم ومدار اجتهادهم .
وكان
نتيجة هذه الجهود التي لا نظير لها تمييز صحيح السنة من ضعيفها ، وبقاءها
سليمة من كل شائبة ، ولم يُرَ في التاريخ كله ، غابره وحاضره ، أمة عنيت
بآثار نبيها كعناية المسلمين بحديث رسولهم صلى الله عليه وسلم وسنته ، وما
قام به علماء الحديث الذين اختارهم الله لصيانتها ، فزين قلوبهم بالإيمان ،
وأعانهم على حفظ السنن والآثار ، وحبب إليهم الرحلة والأسفار ، وفراق
الأهل والأوطان ، فتجردوا للحديث وطلبوه ، وسألوا عنه وأحكموه ، وذاكروا به
ونشروه ، وتفقهوا فيه وأذاعوه ، وكشفوا عن حال الرواة الأثبات ، والعدول
الثقات ، كما كشفوا عن حال المجهولين والمجروحين ، والضعفاء والمتروكين ،
ووضعوا أدق القوانين لنفي إفك الكاذبين ، ودرء وضع الوضاعين ، وإزاحة العلل
، ودفع كل خلل عن صحيح قوله صلى الله عليه وسلم .
وقد قام العلماء
بجهود جبارة في خدمة السنة خلال أربعة عشر قرنـًا من الزمان ، مخلفين
وراءهم ثروة طائلة من الحديث وعلومه في متناول أيدينا اليوم ، ناطقة بحسن
صنيع الأولين ، شاهدة على المتأخرين بالتفريط والإهمال ، حيث أغفلوا تلك
الكنوز الثمينة وتركوها تنعى أصحابها ، حتى أصبحت ما بين مستشرق يعبث بها ،
وجاهل لا يعرف قيمتها ، على أننا يحدونا الأمل في أن يهيئ الله لدينه من
ينصره على أعدائه ، ومن يكرس حياته للدفاع عن السنة وإحياء ما مات منها في
واقع الناس اليوم .
وإنما قام العلماء رحمهم الله بهذا الجهد الكبير
لعلمهم أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يطاع به ، وأن ما
نهى عنه يجب أن يترك ، قال سبحانه : {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن
الله } ( النساء 64) .وحفزهم إلى ذلك أيضـًا أنه صلى الله عليه وسلم قال : (
إن كذبـًا عليَّ ليس ككذب على أحد … ) متفق عليه. فميزوا بما وضعوا من هذا
الفن إفك الكذَّابين ، وتزوير الوضاعين ، ودسَّ الملحدين ، كما حفزهم دعوة
النبي صلى الله عليه وسلم للذين يعنون بالحديث ، حيث قال
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] نضَّر الله امرءًا سمع منا شيئاً فبلَّغه كما سمع ، فرب مبلَّغ أوعى من سامع ) رواه الترمذي .
ونحن
هنا في الشبكة الإسلامية مشاركة منا في خدمة السنة ، نقدم لكم مكتبة السنة
، والتي نبين فيها شيئاً مما ترك لنا الحفاظ المتقنون ، والرواة الصادقون ،
والعلماء المخلصون من كنوز ثمينة ، وثروة طائلة من صحاح وسنن ومسانيد
ومعاجم وشروح وجوامع وغير ذلك ، فحفظ الله بهؤلاء الحفاظ والنقاد شريعته من
الدثور على أيدي أهل الفجور ، على مر العصور ، فله الحمد سبحانه وحده أن
صدق وعده ونصر عبده وحفظ دينه ، قال تعالى : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون } ( الحجر 9)