| تاريخ كتابة المُساهمة الإثنين يوليو 16, 2012 10:33 am | |
| الجزاء من جنس العمل
إن الله عز وجل قد أودع هذا الكون سننا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، يُنسج على منوالها نظام هذه الحياة ، فالعاقل اللبيب من يساير سنن الله ولا يصادمها ، ومن هذه القواعد والسنن العظيمة أن الجزاء من جنس العمل.
فجزاء العامل من جنس عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر: (جَزَاءً وِفَاقاً) (النبأ:26) .
ولو وضعنا هذه القاعدة نصب أعيننا لزجرتنا عن كثير من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو نعيم : " كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الله الفجار منازل الأبرار ، فاسلكوا أي طريق شئتم ، فأي طريق سلكتم وردتم على أهله".
إن العلم بهذه القاعدة هو في المقام الأول دافع للأعمال الصالحة ، ناه عن الظلم ، زاجر للظالمين ومواس للمظلومين.
فلو استحضر الظالم الباغي عاقبة ظلمه وأن الله عز وجل سيسقيه من نفس الكأس عاجلا أو آجلا لكف عن ظلمه وتاب إلى الله وأناب ، ولعل هذا المعنى هو ما أشار إليه سعيد بن جبير رحمه الله حين قال له الحجاج : [اختر لنفسك أي قتلة تريد أن أقتلك ، فقال : بل اختر أنت لنفسك يا حجاج ؛ فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها يوم القيامة].
ولو أن هذا الذي يهدم بنيان الله ويهدر الدم الحرام بغير حق تدبر الحكمة القائلة : بشر القاتل بالقتل لأحجم عن فعلة عاقبتها الهلكة ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
ولو أن هذا الفاجر المستهتر الذي يعبث بحرمات الناس وينتهك أعراضهم علم أن عدل الله قد يقضي أن يسلط على عرض أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته من لا يتقي الله فيه ، فينال منه كما نال هو من عرض أخيه لانتهى وانزجر ، وصدق القائل:
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا سبل المودة عشت غير مكرم
لوكنت حرا من سلالة مـاجد ما كنت هتـاكا لحـرمـة مـسلم
من يَزن يُزن به ولو بجداره إن كنت يا هــذا لـبيـبـا فـافـهم
من يزن في بيت بألفي درهم فـفي بيـته يزنى بغـير الـدرهم
ولو أن الوصي على مال اليتيم سول له الشيطان أكله بالباطل فاستحضر قول الله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (النساء:9) .
لاتقى الله في مال اليتامى ولحافظ عليهم وعلى أموالهم حتى يحفظ الله ذريته من بعده (جَزَاءً وِفَاقاً).
إن اليقين بهذه القاعدة من قواعد نظام الكون ليمنح وقودا إيمانيا عجيبا لمن سلك سبيل الله تعالى فوجد عقبات أو منغصات أو اضطهادات أو ظلما واستضعافا فيؤزه هذا اليقين بتلكم القاعدة على الصبر والثبات وثوقا بموعود الله الذي يمهل ولا يهمل ، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. وقد وردت الأدلة الشرعية الكثيرة التي ترشد إلى هذه القاعدة وتؤكد عليها في مثل قوله صلى الل عليه وسلم : " اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه " .
أمثلة من واقع الحياة
النمرود بن كنعان
وعلى الجانب الآخر نرى تحقق نفس القاعدة في أعداء الله الكافرين والمنافقين ، فهذا النمرود بن كنعان الذي قال: أنا أحيي وأميت ، وظل مئات السنين يقول للناس: أنا ربكم الأعلى ويتكبر عليهم ، سلط الله عليه بعوضة دخلت في أنفه ـ والأنف رمز العزة والشموخ ـ ثم تسللت إلى دماغه فسببت له وجعا كان لا يشعر براحة إلا إذا ضربه من حوله بالنعال والمطارق على رأسه ( جزاء وفاقا ).
معذبة زنيرة
أما زنيرة رضي الله عنها فقد كانت أمة لدى واحدة من نساء قريش ، شرح الله صدر زنيرة للإسلام فآمنت وشهدت شهادة الحق ، فكانت سيدتها تعذبها وتأمر الجواري أن يضربن زنيرة على رأسها ففعلن حتى ذهب بصر زنيرة ، وكانت إذا عطشت وطلبت الماء قلن لها متهكمات : الماء أمامك فابحثي عنه ، فكانت تتعثر ، ولما طال عليها العذاب قالت لها سيدتها: إن كان ما تؤمنين به حقا فادعيه يرد عليك بصرك ، فدعت ربها فرد عليها بصرها ، أما سيدتها التي كانت تعذبها فقد لاقت شيئا من جزائها في الدنيا ، فإنها أصيبت بوجع شديد في الرأس وكان لا يهدأ إلا إذا ضربت على رأسها ، فظل الجواري يضربنها على رأسها كي يهدأ الوجع حتى ذهب بصرها ، والجزاء من جنس العمل.
نسأل الله الكريم أن يجعل عملنا كله صالحا ولوجهه خالصا وأن يحسن جزاءنا ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
|
|
| |
| |
| تاريخ كتابة المُساهمة الإثنين يوليو 16, 2012 12:29 pm | |
| رد: الجزاء من جنس العمل
جزاك الله خيرا اخى الغالى
|
|
| |