| |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
| تاريخ كتابة المُساهمة الأربعاء يناير 26, 2011 9:45 am | |
| عِزَّةُ الْمُسْـلِمِ بَيْنَ المَاضِي وَالْحَاضِرِ
مْدُ للهِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِالْعِزَّةِ وَالْبَقَاءِ، وَتَوَحَّدَ بِالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، قَصَمَ ظُهُورَ الأَكَاسِرَةِ وَالْقَيَاصِرَةِ، وَأَذَلَّ الطُّغَاةَ وَالْجَبَابِرَةَ، وَأَخْزَى أَهْلَ الْكُفْرِ وَالأَهْوَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَعَّزَ اللهُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ، وَأَذَلَّ بِهِ أَعْدَاءَهُ، مَا أَقَلَّتْ مِثْلَهُ الْغَبْرَاءُ وَلاَ أَظَلَّتْ أَكْرَمَ مِنْهُ الْخَضْرَاءُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ النُّجَبَاءِ، وَأَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ الأَتْقِيَاءِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الْعَرْضِ وَالْجَزَاءِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّ التَّقْوَى مَصْدَرُ العِزَّةِ وَالسُّؤْدَدِ، وَالزَّادُ الَّذِي لاَ يَنْفَدُ، وَالْفُجُورُ سَبِيلُ الخَاسِرِ الذَّلِيلِ؛ فَبِئْسَ السَّبِيلُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [الحديد:28].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ الْعِزَّةَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللهِ الْعُلَى، وَالْعَزِيزُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى، فَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ فَلاَ يُمَانَعُ، وَلاَ رَادَّ لأَمْرِهِ فَلاَ يُنَازَعُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَهَبُ الْعِزَّةَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ( [المنافقون:8]. وَإِنَّ مِمَّنْ نَالَ شَرَفَ هَذِهِ الصِّفَةِ الْحَمِيدَةِ، وَاكْتَسَبَ هَذِهِ الْخَلَّةَ الْمَجِيدَةَ: أُولَئِكَ الرِّجَالَ الأَفْذَاذَ الَّذِينَ امْتَلأَتْ صَفَحَاتُ التَّارِيخِ بِسِجِلِّ أَخْلاَقِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ وَبُطُولاَتِهِمْ، وَافْتَخَرَتِ الدُّنْيَا بِمَآثِرِهِمْ وَإِنْجَازَاتِهِمْ، حَتَّى بَلَغَتِ السَّمَاءَ عِزّاً وَفَخْراً، وَعَانَقَتِ الثُّرَيَّا شَرَفاً وَذِكْراً.
أُولَئِكَ الَّذِينَ شَرَّقُوا وَغَرَّبُوا حَامِلِينَ بَيْنَ ضُلُوعِهِمْ دِيناً تَلِيداً، وخُلُقاً حَمِيداً، وَعِزَّةً شَمَّاءَ، وَشُمُوخاً وَإِبَاءً، عِزَّةً لَمْ يُخَالِطْهَا إِثْمٌ، وَإِبَاءً لَمْ يُمَازِجْهُ كِبْرٌ، لَقَدْ صَنَعُوا لِلدُّنْيَا حَضَارَةً قَلَّ نَظِيرُهَا، وَأَقَامُوا لَهَا عَدْلاً عَزَّ مَثِيلُهُ، وَأَثَّلُوا مَجْداً نَدَرَ عَدِيلُهُ،، فَحُقَّ لَنَا أَنْ نَعْتَزَّ بِأُولَئِكَ الصَّنَادِيدِ، وَنُرَدِّدَ عَلَى الآذَانِ بُطُولاَتِهِمْ، وَنَذْكُرَ بِالْفَخَارِ إِنْجَازَاتِهِمْ.
فَتَعَالَوْا نُقَلِّبُ بَعْضَ صَفَحَاتِهِمُ الْمُشْرِقَةِ، وَنَسْتَذْكِرُ بَعْضَ مَوَاقِفِ الْعِزَّةِ الْمُورِقَةِ.
وَنَبْدَأُ بِقِصَّةِ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ t الَّذِي أَسَرَهُ الْمُشْرِكُونَ غَدْراً فِي حَادِثَةٍ عُرِفَتْ بِالرَّجِيعِ، وَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ؛ قَالَ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَصَلاَّهُمَا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «لَوْلاَ أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ الْمَوْتِ لَزِدْتُ، فَكَانَ خُبَيْبٌ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَداً، وَاقْتُلْهُمْ بَدَداً، وَلاَ تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَداً، ثُمَّ أَنْشَدَ أَبْيَاتاً، مِنْهَا:
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَـــهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَـارِكْ عَلَى أَوْصَـــالِ شِلْــوٍ مُمَــــزَّعِ
فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا خُبَيْبُ أَيَسُرُّكَ أَنَّ مُحَّمَداً عِنْدَنَا نَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ؟ فَقَالَ: «لاَ وَاللهِ مَا يَسُرُّنِي أَنِّي فِي أَهْلِي وَأَنَّ مُحَمَّداً فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ».
إِنَّهَا كَلِمَاتٌ تَقْطُرُ عِزَّةً وَشُمُوخاً، وَقُوَّةً وَإِبَاءً، وَتَضْحِيَةً وَفِدَاءً.
عِشْ عَزِيزاً أَوْ مُتْ وَأَنْتَ كَرِيمٌ بَيْنَ طَعْنِ الْقَنَا وَخَفْقِ الْبُنُودِ
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
وَهَذَا جَبَلُ الإِسْلاَمِ، وَصِنْدِيدُ الصَّنَادِيدِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t يُسَجِّلُ لَهُ التَّارِيخُ بِأَحْرُفٍ مِنْ نُورٍ مَوْقِفاً مِنْ مَوَاقِفِ الْعِزَّةِ بِاللهِ وَالاعْتِزَازِ بِالإِسْلاَمِ، وَمَا أَكْثَرَهَا!!؛ فَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ عَرَضَتْ لَهُ مَخَاضَةٌ، فَنَزَلَ عَنْ بَعِيرِهِ وَنَزَعَ مُوقَيْهِ[أَيْ: خُفَّيْهِ] فَأَمْسَكَهُمَا بِيَدِهِ وَخَاضَ الْمَاءَ، وَمَعَهُ بَعِيرُهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ صَنِيعاً عَظِيماً عِنْدَ أَهْلِ الأَرْضِ؛ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَصَكَّ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: أَوَّهْ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَذَلَّ النَّاسِ وَأَحْقَرَ النَّاسِ وَأَقَلَّ النَّاسِ فَأَعَزَّكُمُ اللهُ بِالإِسْلاَمِ، فَمَهْمَا تَطْلُبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِهِ يُذِلَّكُمُ اللهُ».
وَفِي عَامِ القَادِسِيَّةِ وَبِطَلَبٍ مِنْ رُسْتُمَ قَائِدِ الفُرْسِ بَعَثَ قَائِدُ الْمُسْلِمِينَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رِبْعِيَّ بْنَ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِلَيْهِ فَدَخَلَ عَلَى رُسْتُمَ وَقَدْ زَيَّنُوا مَجْلِسَهُ بِأَنْوَاعِ الزِّينَةِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، دَخَلَ رِبْعِيٌّ بِثِيَابٍ صَفِيقَةٍ وَسَيْفٍ وَتُرْسٍ وَفَرَسٍ لَمْ يَزَلْ رَاكِبَهَا حَتَّى دَاسَ بِهَا طَرَفَ الْبُسُطِ، ثُمَّ نَزَلَ وَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ سِلاَحُهُ فَقَالُوا لَهُ: ضَعْ سِلاَحَكَ. فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكُمْ، وَإِنَّمَا جَئْتُكُمْ حِينَ دَعَوْتُمُونِي، فَإِنْ تَرَكْتُمُونِي هَكَذَا وَإِلاَّ رَجَعْتُ. فَقَالَ رُسْتَمُ: ائْذَنُوا لَهُ، فَأَقْبَلَ يَتَوَكَّأُ عَلَى رُمْحِهِ فَوْقَ النَّمَارِقِ الْمُذَهَّبَةِ، فَقَالُوا لَهُ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالَ: اللهُ ابْتَعَثَنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّ العِبَادِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سَعَتِهَا، وَمِنْ جَوْرِ الأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الإِسْلاَمِ. فَانْظُرُوا ـ يَا رَعَاكُمُ اللهُ ـ كَيْفَ تَطْفَحُ كَلِمَاتُهُ بِالْعِزَّةِ وَالشَّمَمَ، وَلاَ غَرْوَ؛ فَإِنَّهَا عِزَّةُ الْمُسْلِمِ الَّتِي هَدَاهُ إِلَيْهَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، وَرَبَّاهُ عَلَيْهَا الرَّسُولُ الْكَرِيمُ r.
إِخْوَةَ الْعِزَّةِ وَالإِبَاءِ:
وَهَذِهِ صُورَةٌ أُخْرَى مِنْ صُوَرِ الْعِزِّ وَالشَّمَمِ، وَالْحَضَارَةِ وَالْقِيَمِ، الَّتِي اتَّسَمَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَتَحَلَّى بِهَا الْمُخْلِصُونَ، إِنَّهُ الْخَلِيفَةُ الْمُعْتَصِمُ بِاللهِ العَبَّاسِيُّ؛ لَمَّا سَمِعَ عَنْ صَرَخَاتِ الأَسِيرَاتِ الْمُسْلِمَاتِ لَدَى الرُّومِ؛ لَمْ تَدَعْهُ عَقِيدَتُهُ الإِيمَانِيَّةُ، وَلاَ نَخْوَتُهُ العَرَبِيَّةُ؛ أَنْ يَغُضَّ الطَّرْفَ أَوْ يُنَاوِرَ، بَلِ اسْتَدْعَى الْجُيُوشَ وَتَجَهَّزَ جَهَازاً لَمْ يَتَجَهَّزْهُ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ، وَأَخَذَ مَعَهُ آلاَتِ الْحَرْبِ، وَسَارَ إِلَى عَمُّورِيَّةَ ـ أَمْنَعِ بِلاَدِ الرُّومِ آنَذَاكَ وَأَقْوَاهَا ـ فِي جَحَافِلَ كَالْجِبَالِ، وَرِجَالٍ لَيْسُوا كَأَيِّ رِجَالٍ، فَحَاصَرُوهُمْ حِصَاراً مَكِيناً، وَدَكَّ حُصُونَهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَأَذَلَّ الكَفَرَةَ الطَّغَامَ، وَأَعَزَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، فَانْتَصَرَ لِلْحَقِّ وَرَدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ. هَا هِيَ النُّفُوسُ الَّتِي تَأْبَى الضَّيْمَ وَلاَ تَرْضَى بِالْهَوَانِ مَهْمَا غَلَتِ التَّضْحِيَاتُ، وَعَظُمَتِ النَّكَبَاتُ، فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَؤُلاَءِ الغَيَارَى؟!!.
رُبَّ وَا مُعْتَصِمَاهُ انطَلَقَــتْ مِلْءَ أَفْوَاهِ الْبَنَاتِ الْيُتَّــــمِ
لاَمَسَتْ أَسْمَاعَهُمْ لَكِنَّهَـا لَمْ تُلاَمِسْ نَخْوَةَ الْمُعْتَصِمِ
وَلَمْ يَغْتَمِضْ لِصَلاَحِ الدِّينِ جَفْنٌ بِهَنَاءٍ، وَلَمْ يَسْكُنْ لَهُ جَنَانٌ بِرَخَاءٍ؛ مَا كَانَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ؛ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ يُدَنَّسُ، وَهُوَ مَقَرُّ الأَنْبِيَاءِ، وَمَقْصِدُ الأَوْلِيَاءِ. فَدَرَّبَ الرِّجَالَ، وَجَهَّزَ الأَبْطَالَ. وَفِي هَذِهِ الأَحْوَالِ الْعَصِيبَةِ تَنْطَلِقُ إِلَيْهِ رِسَالَةٌ عَجِيبَةٌ، تَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ الأَقْصَى؛ بِحَسَرَاتٍ وَآلاَمٍ لاَ تُحْصَى:
يَـا أَيُّهَا الْمَلِكُ الَّـــذِي لِمَعَــالِـــــمِ الصُّلْبَانِ نَكَّــسْ
جَـاءَتْ إِلَيْـكَ ظُلاَمَــةٌ تَسْعَى مِنَ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسْ
كُلُّ الْمَسَـاجِدِ طُهِّرَتْ وَأَنَا عَلَى شَرَفِي أُدَنَّـسْ!!
فَغَلَى الْحَمَاسُ فِي نَفْسِهِ الأَبِيَّةِ، وَاشْتَدَّ حَنَقُهُ عَلَى الأُمَّةِ الصَّلِيبِيَّةِ، فَقَادَ جَيْشاً عَرَمْرَماً لِتَخْلِيصِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ غَاصِبِيهِ، وَتَطْهِيرِهِ مِنْ مُدَنِّسِيهِ، فَكَانَ لَهُ مَا أَرَادَ؛ بِفَضْلٍ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَإِمْدَادٍ.
وَبَعْدَ حِصَارٍ رَهِيبٍ، وَبَأْسٍ عَجِيبٍ؛ قَصَدَهُ أَكَابِرُ الأَعْدَاءِ وَتَشَفَّعُوا إِلَيْهِ بِكُلِّ لِسَانٍ أَنْ يُعْطِيَهُمُ الأَمَانَ فَامْتَنَعَ وَقَالَ: لاَ أَفْتَتِحُهَا إِلاَّ كَمَا افْتَتَحْتُمُوهَا عَنْوَةً، وَلاَ أَتْرُكُ أَحَداً مِنَ النَّصَارَى إِلاَّ قَتَلْتُهُ كَمَا قَتَلْتُمْ أَنْتُمْ مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى رَقَّ لَهُمْ وَأَجَابَهُمْ إِلَى الصُّلْحِ، وَنَزَّهَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَطَهَّرَ الْمَكَانَ، فَكَانَ يَوْماً عَظِيماً، وَفَضْلاً مِنَ اللهِ كَرِيماً، أَعَزَّ اللهُ فِيهِ أَوْلِيَاءَهُ، وَأَذَلَّ فِيهِ أَعْدَاءَهُ، )وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ( [يوسف:21]، )إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ( [ق:37].
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ مُعِزِّ الْمُسْلِمِينَ بِنَصْرِهِ، وَمُذِلِّ الْمُشْرِكِينَ بِقَهْرِهِ، وَمُصَرِّفِ الأَشْيَاءِ بِأَمْرِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، قَدَّرَ الأَيَّامَ دُوَلاً بِعَدْلِهِ، وَجَعَلَ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ بِفَضْلِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلأَنَامِ، وَمِصْبَاحاً لِلظَّلاَمِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى خَلِيفَتِهِ الصِّدِّيقِ السَّابِقِ إِلَى الإِيمَانِ، وَعَلَى عُمَرَ أَوَّلِ مَنْ رَفَعَ عَنِ الأَقْصَى شِعَارَ الصُّلْبَانِ، وَعَلَى عُثْمَانَ ذِي النُّورَيْنِ جَامِعِ الْقُرْآنِ، وَعَلَى عَلِيٍّ مُزَلْزِلِ الشِّرْكِ وَمُحَطِّمِ الأَوْثَانِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً إِلَى يَوْمٍ يُكْرَمُونَ فِيهِ بِالْجِنَانِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ ـ يُعِزَّكُمُ اللهُ، وَيُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ، وَيَنْصُرْكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ وَالإِسْلاَمِ:
تِلْكَ نَمَاذِجُ بَاهِرَةٌ، وَعِزَّةٌ ظَاهِرَةٌ، وَمَوَاقِفُ عَجِيبَةٌ، وَحَمِيَّةٌ لِلحْقِّ رَهِيبَةٌ: مِنْ حَيَاةِ أُولَئِكَ الأَفْذَاذِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أُشْرِبُوا الْعِزَّةَ، وَأُرْضِعُوا الإِبَاءَ، وَصَانُوا الكَرَامَةَ، وَحَمَلُوا النُّورَ، وَأَضَاءُوا الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا، وَرَحِمَ اللهُ مَنْ قَالَ فِيهِمْ وَكَأَنَّهُ مِنْهُمْ:
لَمْ تُشْرِقِ الشَّمْسُ إِلاَّ فِي مَرَابِعِنَا وَالْمَجْدُ لَمْ يُرْوَ إِلاَّ مِـنْ مَوَاضِينَا
الْعَـــدْلُ مَنْهَجُــــنَا وَالْحَـقُّ رَائِـــــدُنَا وَالدِّيــنُ غَايَـتُنَا وَاللهُ حَــامِينَا
وَمَنْ أَرَادَ الْعِزَّةَ بِالْحَقِّ، وَسَعَادَةَ الْخَلْقِ، فَلْيَحْذُ حَذْوَهُمْ، وَلْيَنْهَلْ مِنْ حَيْثُ نَهَلُوا، وَمَا مَنْهَلُهُمْ إِلاَّ كِتَابُ اللهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ r. إِنَّنَا ـ أَيُّهَا الإِخْوَةُ ـ نَعِيشُ فِي هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي سُلِبْنَا فِيهِ تِلْكَ الْعِزَّةَ القَعْسَاءَ ، وَذَلِكَ الْعِزَّ وَالإِبَاءَ، إِذْ حَلَّتِ الْفُرْقَةُ وَالانْقِسَامُ مَحَلَّ الْوَحْدَةِ وَالْوِئَامِ، وَالتَّنَازُعُ وَالاخْتِلاَفُ مَكَانَ التَّعَاوُنِ وَالائْتِلاَفِ، فَيَا لَلَّهِ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: )وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ؟!! [آل عمران:105]. فَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ تَعُودَ لَنَا عِزَّتُنَا الإِيمَانِيَّةُ، وَوَحْدَتُنَا الإِسْلاَمِيَّةُ، وَمَجْدُنَا التَّلِيدُ، وَعِزُّنَا الْمَجِيدُ: فَلنَعْتَصِمْ بِحَبْلِ اللهِ الْمَتِينِ، وَلْنَتَمَسَّكْ بِنُورِهِ الْمُبِينِ، أَلَمْ يَقُلِ اللهُ جَلَّ جَلاَلُهُ: )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا(؟! [آل عمران:103]. وَلْنَنْصُرْ دِينَ اللهِ لِيَنْصُرَنَا اللهُ عَلَى أَعْدَائِنَا؛ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: )وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ( [الحج:40].
وَلْنُخْرِجْ حُبَّ الدُّنْيَا مِنْ قُلُوبِنَا؛ فَإِنَّ حُبَّهَا إِذَا اسْتَوْلَى أَسَرَ؛ عَنْ ثَوْبَانَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ].
وَلْنَتَفَاءَلْ خَيْراً -إِخْوَةَ الإِيمَانِ وَالإِسْلاَمِ- فَإِنَّ الْعِزَّةَ مَرْدُودَةٌ، وَالذِّلَّةَ مَفْقُودَةٌ؛ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى، وَسَيَعُودُ الْعِزُّ لأَهْلِهِ، وَالْمَجْدُ لِمُسْتَحِقِّيهِ؛ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ]. وَإِذَا عَبَدْنَا اللهَ وَحْدَهُ وَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئاً حَقَّقَ اللهُ لَنَا مَا وَعَدَنَا مِنَ التَّمْكِينِ فِي الأَرْضِ وَالاسْتِخْلاَفِ فِيهَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ( [النور:55].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَرُدَّنَا إِلَى دِينِنَا أَجْمَعِينَ، رَدّاً جَمِيلاً يَا رَبَّ العَالَمِينَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ للْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ. اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ البِلاَدِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
|
|
| |
| تاريخ كتابة المُساهمة الأربعاء يناير 26, 2011 10:31 am | |
| رد: عِزَّةُ الْمُسْـلِمِ بَيْنَ المَاضِي وَالْحَاضِرِ
ممتاز يا ابو اصالة تسلم الايادى
|
|
| |
| تاريخ كتابة المُساهمة الخميس فبراير 10, 2011 2:55 pm | |
| رد: عِزَّةُ الْمُسْـلِمِ بَيْنَ المَاضِي وَالْحَاضِرِ
شرفنى مرورك اخى المهندس
|
|
| |
| |
| |
| تاريخ كتابة المُساهمة الجمعة فبراير 11, 2011 12:28 pm | |
| رد: عِزَّةُ الْمُسْـلِمِ بَيْنَ المَاضِي وَالْحَاضِرِ
شكرا لمروركم
|
|
| |
| |
| |
| تاريخ كتابة المُساهمة الخميس فبراير 24, 2011 5:00 pm | |
| رد: عِزَّةُ الْمُسْـلِمِ بَيْنَ المَاضِي وَالْحَاضِرِ
شرفنى مرورك الكريم
|
|
| |
| تاريخ كتابة المُساهمة الإثنين فبراير 28, 2011 11:50 am | |
| رد: عِزَّةُ الْمُسْـلِمِ بَيْنَ المَاضِي وَالْحَاضِرِ
شكرااااااا اخي الكريم علي هذا الموضوع الرائع إِنَّ الْعِزَّةَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللهِ الْعُلَى، [/b]
|
|
| |
| تاريخ كتابة المُساهمة الأربعاء مارس 02, 2011 7:53 pm | |
| رد: عِزَّةُ الْمُسْـلِمِ بَيْنَ المَاضِي وَالْحَاضِرِ
شكرا لمرورك
|
|
| |
| عِزَّةُ الْمُسْـلِمِ بَيْنَ المَاضِي وَالْحَاضِرِ | |
|