| تاريخ كتابة المُساهمة الأربعاء يوليو 14, 2010 2:12 am | |
| جابر أبو حسين شاعر السيره الهلاليه من ابناء سوهاج
الشاعر جابر أبو حسين ابن فلاح مصري من أبَّار الوقف مركز إخميم، وبعد مولده ترك والدُه قريتَه وذهب إلى مدينة المراغة للبحث عن مورد للرزق، ومات ولما يبلغ جابر أبو حسين من العمر أحد عشر عامًا، وكان على الصغير أن يقوم برعاية أمه وأخيه الأصغر زكي.
ترك جابر المراغة بعد أن حفظ كل ما سمعه من السيرة الهلالية وذهب إلى الإسكندرية ليعيش عند أخ له غير شقيق، وهناك عمل كناسًا. ولم ينسَ الطفل السيرة الهلالية؛ فقد كانت تروى في بعض مقاهيها.
واستمع الطفل إلى الشاعر الراوية محمد الطباخ يؤدي السيرة الهلالية في أحد المقاهي على مدار عام قمري كامل. يبدأ السيرة في أول رمضان ويختمها في آخر شعبان، ليعود بعد ذلك يؤديها بنفس الكيفية. استمع له الطفل خمس سنوات أي أنه كبر وهو يستمع إليه. بعد ذلك سأله الشاعرُ محمد الطباخ أن يعمل معه في بطانته فقبِل.
وبعد أن شعر جابر أبو حسين بأنه حفظ السيرة عاد إلى المراغة، ولكنه لم ينجح في أن يجذب إليه جمهور المستمعين، فأخذ يعمل مع الفرق الجوالة التي تروي الهلالية
لقد حفظ كل ما يقدمه التراث الصعيدي والبحراوي عن الهلالية وهو يحتاج إلى من يفتح له الطريق ليقدم روايته، ولم يحالفه النجاح الذي يريده حتى استُدْعى إلى الإسكندرية لإحياء بعض الليالي هناك. ويبدو أن ذلك قد تم بعد وفاة شاعرها محمد الطباخ. وعاد من الإسكندرية وقد أخذت الأساطير تُحَاك حوله؛ فقد جاء لأهل الصعيد رجلاً جديدًا. قالوا "إن الخضر عليه السلام تفل في فمه."، وأهل الصعيد دائمًا ما يَرُدُّون الفتوة والقوة وجودة الفن في الشخص إلى الخضر عليه السلام.
لقد كان جابر أبو حسين يعرف كل دروب رواية بني هلال مما يروى في الشمال والجنوب. وكانت بداية شهرته الكبيرة في قنا؛ فلقد ذهب لمولد سيدي عبدالرحيم ليفي بنذر له، وهناك قابله رجل من الأشراف يسمى سيد الرشيدي، وقد عرفه الرجل فأقسم عليه بالبقاء، وذهب لزيارة السيد وبعدها مكث في المنطقة المجاورة لمقام سيدي عبدالرحيم والتي تسمى البورة. وأخذ جابر يغني حتى صلاة العشاء. وبعد ذلك أخذه الرجل إلى بيته وقد وعد الناسَ الذين استمعوا إليه أنه سيغني السيرة غدًا. ومن يومها سارت شهرته في آفاق قنا وأسوان فضلاً عن سوهاج وأسيوط.
وجمهور أهل الصعيد يعرفون السيرة ويتابعونها؛ فالسيرة بالنسبة لهم تاريخهم الاجتماعي والإنساني، فكثير من عائلات الصعيد تنتسب إلى أبي زيد أو إلى الزناتي خليفة، فمن كان قيسيًّا يعد نفسه قريبًا لأبي زيد، ومن كان من أصل يمني يعد نفسه قريبًا لدياب بن غانم والزناتي خليفة، وهنا لا بد من أن نتعرف على السيرة.
السيرة هي تاريخ حياة فرد أو تاريخ حياة جماعة، ولقد تعددت أنواع السير فمنها القبلي والقومي والإسلامي. وسيرة بني هلال سيرة قبلية في شكلها الأوَّلي، وهي سيرة جماعة؛ تحكي عن قبيلة بني هلال وحلفهم مع قبائل العرب في نجد والحجاز، وتروي لكل بطل من أبطال السيرة فصلاً أو أكثر خاصًّا به، وإن كان أبو زيد الهلالي هو المسيطر على حلقاتها.
والسيرة تتكون من أربع حلقات:
الأولى وهي المواليد وما يتبعها؛ فهي تأخذ فصل تَكَوُّن الجماعة ومولد أبي زيد وصراعه في سبيل إثبات وجوده، ثم مقتل الجيل الأول على يد حنظل العقيلي، وبعدها تنتقل إلى زواج الأبطال أبي زيد وحسن السلطان ودياب وفرسه التي فتحت له تونس.
والحلقة الثانية هي الريادة وفيها يرود أبو زيد وأبناء أخته الثلاثة يحيى ومرعي ويونس أرض تونس ليواجه الرجال الأربعة مغامرات عدة يعود بعدها أبو زيد وحيدًا في رواية تقول إن يحيى ومرعي قُتِلا وأُسِرَ يونس ورواية أخرى تقول إن الثلاثة أسِروا.
وبعودة أبي زيد من تونس تبدأ الحلقة الثالثة وهي التغريبة، وفيها يقف العرب الهلالية أربعة عشر عامًا على أسوار تونس محاربين لخليفة الزناتي، وتنتهي هذه الحلقة بمقتل الزناتي خليفة.
بمقتل الزناتي خليفة تبدأ الحلقة الرابعة، وهي ما يسمى بالأيتام، وفيها يأخذ الصراع بين قبائل حلف الهلالية لينتهي الأمر باستقرارهم في الصحراء الكبرى.
كان جابر أبو حسين هو الصوت الذي ارتفع يروي الهلالية ويوقف نمو كل رواية فيها ما عدا روايته. فهي رواية سهلة تعتمد على المربع الناعم الذي يُبنى من كلام الناس وأمثالهم؛ فليس من السهل أن تجد له بنية شعرية ليست مأخوذة من أفواه الناس. لقد رُكِّبَت هذه الرواية من كثير من الروايات المعروفة، هضمت وشكلت في بنية كبرى هي ما نعرفه الآن برواية جابر أبو حسين.
ولم يكن جابر أبو حسين معروفًا للجمهور بروايته فقط، وإنما كان معروفًا أيضًا بحفظه لكل ما يقوله المنشدون الدينيون في المنطقة؛ فالهلالية تبدأ دائمًا بالصلاة على النبي ومدحه، ثم بكاء الدنيا وذمها بمربعات عرفت عند العامة بأنها مربعات ابن عروس، وقد أضاف إليها جابر أبو حسين الكثير، وعُرِفَ أيضًا هذا الشاعر العظيم بخلقه الجَمِّ وحيائه، وقد كان يذهب إلى حفل قد لا يأخذ من صاحبه مليمًا؛ لأنه يعرف أنه فقير. كما أنه كان يؤدي لأبناء السيد حفلاتهم دون مقابل وهي القبيلة التي اشتهر أبناؤها بغناء السيرة. لقد أحب الجمهور رواية جابر أبو حسين وعشقه إنسانًا فنانًا.
وحاول كثير من المهتمين بالتراث الشعبي أن يأخذوه إلى القاهرة ليقدم الهلالية في الإذاعة فرفض، كان منهم المرحوم زكريا الحجاوي. ولم تنجح من هذه المحاولات غير محاولة فهمي عمر مدير إذاعة الشعب سنة 1977. وهو من أبناء نجع حمادي من أسرة عريقة تنتسب إلى همام الهواري أحد أمراء الصعيد في العصر العثماني. وقد أرسل له رسالة مع عبدالرحمن الأبنودي الذي زار جابر أبو حسين مع الفنانة عطيات الأبنودي وعبدالرحمن قيقة من تونس، ولم يقبل الرجل الذهاب إلى القاهرة بسهولة حتى تدخَّل عمدة القرية.
كانت إذاعة الشعب في ذلك الوقت تقدم برنامجًا عن السيرة الشعبية يقدمه عبدالرحمن الأبنودي قدم فيه الضوي الكبير وابنه سيد الضوي. وكان البرنامج في حاجة إلى تطعيم، ومن هنا اتجهت الإذاعة إلى جابر أبو حسين الذي حضر إلى القاهرة والتقى الأبنودي، وأخذت إذاعة الشعب تسجل له لمدة شهر كامل خمس ساعات منها ساعة راحة. وبعد ذلك سافر جابر أبو حسين إلى بلدته فهو لا يحب مغادرتها طويلاً.
وذهب إليه الأبنودي مرة ثانية في بلدته وأقام في استراحة وزارة الزراعة بسوهاج مدة سبعة وعشرين يومًا سجل فيها لجابر بقية السيرة الهلالية.
وكانت المفاجأة التي لم أتوقعها أن القص من هذه الصفحة وحتى نهاية الجزء الثالث هي رواية جابر أبو حسين، لم يُضِف إليها حرفًا من رواية راوٍ آخر؛ وإنما حذف منها الجزء الخاص بجايل العقيلي ملك القطيفين الذي قتله أبو زيد وأخذ منطقته التي لعبت دورًا مهمًّا في أحداث السيرة بعد ذلك. فهذه المنطقة كانت تحوي خدامًا من الجن يخدمون من يمتلكها. ودخل النص مباشرة دون ربط ما بين قتل أبي زيد لملوك بني عقيل ودعوة الهلالية ليحاربوا الغلام البطل. لقد كان الحذف في ذاته إساءة للنص لأن الأمانة تقتضي من جامع النص أن يكون أمينًا عليه؛ فالنص تعبير عن واقع الجماعة وفنها ومعتقداتها ومكونها الإنساني. وعلى كل فلن نقف عند هذا إنما المهم أن النص الذي بين أيدينا هو رواية جابر أبو حسين نفسها وهذا يؤدي بنا إلى وقفة مع العنوان ومع المقدمة حتى نتعرف على ما صنعه الأبنودي بالرواية. لقد مات جابر أبو حسين سنة 1981 وتصور الأبنودي أنه ليس هناك شاهد إثبات يثبت أن رواية السيرة الهلالية التي ينشرها في كتبه لجابر أبو حسين، فجعل نسبة النصوص لمجهول بكتابته "النصوص الشفاهية للشعراء الشعبيين". وليس بين علماء الفولكلور من يقبل من جامع لنص أن ينسبه لمجهول ويجعل من هذا المجهول جماعة؛ فالشعراء الشعبيون هنا ليسوا إلا شاعرًا واحدًا هو جابر أبو حسين لضاع علينا رصيد كبير للشعر كانوا أكثر أمانة في هذا الشأن.
|
|
| تاريخ كتابة المُساهمة الجمعة يوليو 16, 2010 2:39 pm | |
| رد: جابر أبو حسين شاعر السيره الهلاليه من ابناء سوهاج
موضوع رائع يا محمود موضوع رائع يا جنتل [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
|
|
| تاريخ كتابة المُساهمة الجمعة يوليو 16, 2010 11:14 pm | |
| رد: جابر أبو حسين شاعر السيره الهلاليه من ابناء سوهاج
شكرا اخى عادل على المرور شرفنى مرورك
|
|
| تاريخ كتابة المُساهمة الخميس ديسمبر 16, 2010 10:20 pm | |
| رد: جابر أبو حسين شاعر السيره الهلاليه من ابناء سوهاج
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
|
|
| تاريخ كتابة المُساهمة الخميس أبريل 14, 2011 11:04 pm | |
| رد: جابر أبو حسين شاعر السيره الهلاليه من ابناء سوهاج
بارك الله فيك اخى العالى على المرور شرفنى مرورك الطيب
|
|
| تاريخ كتابة المُساهمة الإثنين أكتوبر 22, 2012 10:04 pm | |
| رد: جابر أبو حسين شاعر السيره الهلاليه من ابناء سوهاج
كل الشكر والتقدير للاخ محمود خلاف ماكتبه عن شاعرنا العظيم جابر ابوحسين
|
|
| تاريخ كتابة المُساهمة الثلاثاء أكتوبر 23, 2012 12:29 am | |
| رد: جابر أبو حسين شاعر السيره الهلاليه من ابناء سوهاج
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
|
|