الحمد لله وحده ، والصّلاة والسّلام على من لا
نبيَّ بعده ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد
:
فإنّ ما شرعه الله تعالى لعبادة من العبادات إنما
ذلك لحكمةٍ تامةٍ بالغةٍ ، فالله الحكيم العليم في خلقة وشرعة وجزائه ، ومن تلك
العبادات الصيام فله حكمةٌ كبيرةٌ منها :
1- إن الصيام عبادةٌ لله تعالى ، فيتقرب العبد
إلى ربه بترك محبوبات نفسه ومشتهياتها من الطعام والشراب والنكاح ، ويظهر بذلك صدق
إيمان العبد ، وكمال عبوديته لربه ، ومحبته له ، ورجائه ثواب الله ؛ لان العبد لا
يترك ما يحبه إلّا لما هو أعظم عنده منه ، فكن - أيها المسلم - ممن صام راغباً
فيما عند الله ، مُتذللا له بهذه العبادة .
2- ومن حكم الصيام : أن يحقق العبد تقوى الله ،كما
قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
﴾[ البقرة
: 183 ]. وهذا إنما هو الصيام الشرعي الذي حافظ صاحبه
عليه من المفطِّرات ، ومن قول الزور والعمل به ، وقد قال ع
: ( مَنْ
لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ
طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ [/b]) رواه البخاري . اجتهد إن
تصوم صوماً صحيحاً نقيّاً من الشوائب والشبهات .
3- ومن حكم الصيام : أنّ الصائم يتخلّى قلبه
للفكر والذكر ، ولأنّ تناول الشهوات يحصل به الغفلة ، وقد يحصل به قساوة القلب ،
ولذا فقد أرشد النبي ع إلى
التخفيف من الطعام والشراب ، وقد قال المقدام بن معد يكرب س
: سمعت رسول الله ع
يقول : ( مَا
مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ
صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ
وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ [/b]) رواه ابن ماجه (صحيح).
4- ومن حكم الصيام : أنّ الغني يعرف نعمة الله
عليه بنعمٍ كثيرةٍ لم يحصل عليها الفقير من المطاعم والمشارب والنكاح ، فيحمد الله
ويشكره ، ويتذكر أخاه الفقير المسلم فيتصدق عليه ، ويعطيه من مال الله الذي آتاه ،
فيا أيها الأغنياء : تصدَّقوا على الفقراء في هذا الشهر الكريم (رمضان) ، وأعطوا
عطاء من لا يخشى الفقر ، وجودوا بالمال والخير على إخوانكم المحتاجين ، وكونوا
شاكرين لنعم الله ، وقد قال ع : (
إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى
عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ
فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا [/b])
رواه مسلم.
5- ومن حكم الصيام : أنّه يضيق مجاري الدم بسبب
الجوع والعطش ، فتضيق مجاري الشيطان في البدن ، وقد قال ع : ( إِنَّ
الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ[/b]
) رواه البخاري . كما أن الصيام يكسر قوة الشهوة ، ولذلك أيها الشباب ومن في حكمهم
: استمعوا لهذا الحديث ، واعملوا به ، فقد قال ع : ( يَا
مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ
أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ
فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ [/b]) رواه الشيخان . والله الموفق.[/b]